٢٢ يناير ٢٠١٠

فاطمة

فى هذه الليلة كان الجو صاخبا.    

الكل يتراقصون معا فى سعادة ونشوة غامرة...

إلا هى...

لم أكن أعرف اسمها بعد.

 
 

بحكم الوظيفة التى كنت أقوم بها ليلتها، كنت أنا الرجل الوحيد الذى لا يراقص أيا من الفتيات الجميلات الموجودات...

هى الفتاة الوحيدة وأنا الرجل الوحيد الذان لا يرقصان كالآخرين...

كانت تجلس بهدوء وسكينة – بل واستسلام – على أحد الكراسى

تنظر إلى من يراقصون بعضهم بعضا وكأنها تمنى نفسها برقصة...

 
 

فى أثناء انشغالى بأداء وظيفتى لمحتها...

تلاقت عينانا

ذهبت نحوها بصعوبة بالغة... فقد كانت الصالة مكدسة بالمحتفلين...

أخيرا... وصلت إليها.

 
 

لم أكلمها... فقط نظرت إليها... ومددت لها يداى...

فَهِمت هى أننى أريد أن أراقصها...

ابتسمَتْ ابتسامة خجولة... ثم قامت معى...

أشرت إلى أحد زملائى وفهم أننى أريد منه القيام بوظيفتى إلى حين أن أراقصها...

 
 

احتضنتها بين ذراعى...

طوقتنى بذراعيها...

تمايلنا سويا...

أحسست بفرحة غامرة...

 
 

برغم حضورى للعديد من هذه الحفلات من قبل... إلا أن تلك المرة كان الإحساس مختلفا...

تعلق قلبى بها... وأظنها تعلقت بى هى الأخرى...

إذ أنها فجأة نظرت على بامتنان شديد جدا

كانت عيناها تتكلمان.. دون ان تنطق شفتاها...

بعد هذه النظرة الحانية...

حدث ما لم أكن أتصوره...

قبلتنى...

نعم

أدارت وجهى قليلا بيديها الحانيتين... وقبلتنى...

لم أصدق نفسى...

فاجأنى الموقف... إلا أننى تشجعت قليلا ثم قبلتها...

لم أعبأ بالموجودين حولنا...

أحسست أننى أريد أن أقبلها... فقبلتها.

 
 

فجأة تذكرتُ الوظيفة التى على أن أقوم بها...

نظرت إليها متأسفا... ودون أن نتكلم أعدتها إلى الكرسى... واستأنفت وظيفتى

هذه المرة... كنت أقوم بوظيفتى واقفا بجانب الكرسى التى تجلس عليه...

 
 

نسيت أن أخبركم... كانت وظيفتى تصوير الحفل.

قبل أن أرقص معها، كنت أتنقل بين الحاضرين للتصوير من زوايا عديدة.

لكن الآن... وقفت بجانبها...

 
 

أمسكت هى بيدى أثناء وقوفى بجانبها...

ورغم رقتها الشديدة... إلا أنها أمسكت بيدى بكل قوة

بصراحة... لم أردها أن تترك يدى...

كان إحساسا لا يوصف...

لم أشعر بهذا الإحساس إلا مرتين فى حياتى...

عندما أمسكت كل طفلة من بناتى بيدى لأول مرة

نعم

أحسست أن الله رزقنى بطفلة ثالثة...

 
 

نسيت أن أخبركم...

كانت الحفلة ضمن برنامج زياراتنا لإحدى الملاجئ...

كانت هذه الزيارة لدار الولاء والوفاء لذوى الاحتياجات الخاصة...

وكانت هى – فاطمة – مزدوجة الإعاقة...

كانت بكماء، كما كانت لا تستطيع الحركة...

 
 

عندما حملتها بين ذراعى ودخلت بها وسط زحام الراقصين مع زميلاتها وزملائها كانت تبدو سعيدة للغاية...

وعندما ضغطت بيدها الصغيرة على وجهى كى تنظر فى عينى... كانت نظراتها فى غاية الحنان.

كانت تريد أن تشكرنى... ولكن لم تستطع الكلام.

ولكن.. أى كلام هذا الذى أنتظره.

يا الله.

لقد قالت كل ما أرادت بهذه النظرة التى تلتها قبلة على وجهى

ثم احتضنتنى وهى مبتسمة ابتسامة كلها دفء وحب وسعادة

 
 

وعندما أصرت على أن تمسك بيدى بعد أن أعدتها إلى الكرسى

وعندما قبلتنى مرة أخرى عندما حملتها ثانية وأدخلتها وسط زحام الحفلة..

 
 

يا إلهى...

كم هم أنقياء هؤلاء الأطفال

كم تسعدهم الأشياء الصغيرة...

وما أجمل أن يجعلك الله سببا فى إسعاد إنسان

والأجمل أن يكون هذا الإنسان طفلا بريئا...

 
 

والله إنه إحساس لا يوصف
 

لقد أمدتنى هذه الزيارة – وغيرها - بشحنة عاطفية جياشة
وجعلتنى أرى نعم الله أمامى واضحة

 
 

اسمحوا لى أن أستعير العبارات التالية من رسالة أرسلتها إحدى الزميلات من قبل فى وصف لمشاعرها أثناء هذه الزيارات:

"ايه الروح الرقيقة دى يا ربى ...
هم دول هديتك لأهل الدنيا... هم دول مصدر السعادة صحيح ...

انا كنت فاكرة انى رايحة اراعى الولاد دول عشان ياخدوا بايدى يوم القيامة
و يتشفعوا لى عند ربنا ... لقيتهم بياخدوا بايدى ف الدنيا كمان ...

يا خبر ابيض دول هم الى كفلونى مش انا اللى كفلتهم ...!!!"

 
 

هناك تعليقان (٢):

  1. تانى مرة اقراها
    :)
    ياليتها ايام تتكرر

    ردحذف
  2. الاحساس الصادق لايوصف . ربنا يكرمك ويسعدك يقدر اسعادك للاخرين واكتر

    ردحذف